الأحد، 08 يونيو 2025

12:05 م

"إلى عرفات الله".. قصيدة بدأت باعتذار وانتهت بصراع بين نجاة وأم كلثوم

الخميس، 05 يونيو 2025 12:54 م

آيه بدر

أم كلثوم ورياض السنباطي

أم كلثوم ورياض السنباطي

في واحدة من أبرز القصائد الدينية التي خلدها التاريخ، لا تزال كلمات "إلى عرفات الله يا خير زائر.. عليك سلام الله في عرفات" تلامس القلوب في يوم عرفة، فتنبض الأرواح شوقًا إلى بيت الله الحرام.

غنت هذه القصيدة كوكب الشرق أم كلثوم، وتحولت إلى نشيد روحاني يرافق الملايين في موسم الحج من مختلف بقاع العالم. 

لكن خلف هذه الأنشودة الخالدة، تختبئ قصة مشوقة جمعت بين الشعر والسياسة والغناء، ومرت بمراحل من الاعتذار، ثم المنافسة، قبل أن تستقر في ذاكرة الشعوب كأشهر أغنية للحج.

البداية تعود إلى عام 1910، حين كتب أمير الشعراء أحمد شوقي القصيدة بناءً على طلب من الخديوي عباس حلمي الثاني، الذي ربطته به علاقة صداقة وثيقة. فقد دعاه الخديوي لمرافقته في رحلة الحج، غير أن شوقي، المعروف بخوفه من ركوب الإبل والدواب، ورفضه للسفر بحرًا، اعتذر بطريقة ذكية، وكتب هذه القصيدة كهدية إلى الخديوي بدلاً من مرافقته. هذه التفاصيل وثّقها المؤرخ محمد لبيب البتانوني في كتابه "الرحلة الحجازية لولي النعم الحاج عباس حلمي باشا الثاني"، موضحًا أن القصيدة كانت نوعًا من الاعتذار الدبلوماسي الراقي.

تضمنت القصيدة الأصلية 63 بيتًا شعريًا، وجاء مطلعها بصيغة شخصية تقول: "إلى عرفات الله يا بن محمدٍ.. عليك سلام الله في عرفات". وقد أظهر شوقي في أبياته مشاعر الخشوع والتقصير والتمني، كما في قوله:

"دعاني إليك الصالح ابن محمد

فكان جوابي صالح الدعوات

وخيرني في سابح أو نجيبة

إليك فلم أختر سوى العبرات".

بعد أربعة عقود، وتحديدًا في عام 1949، اختارت المطربة نجاة علي أن تغني هذه القصيدة. وقد تولى تلحينها الموسيقار عبد الفتاح بدير، وسُجلت بصوتها في الإذاعة المصرية، لتصبح أول صوت نسائي يصدح بها على الهواء.

لكن القصة لم تنتهِ هنا. فبعد عامين فقط، أي في 1951، وقعت القصيدة في يد السيدة أم كلثوم، التي أبدت إعجابًا شديدًا بها، لكنها قررت أن تعيد تقديمها بلحن جديد يواكب رؤيتها الفنية. ولهذا الغرض استعانت بالملحن الكبير رياض السنباطي، كما طلبت من الشاعر أحمد رامي أن يعيد صياغة بعض الأبيات، خصوصًا تلك التي تمدح الخديوي، لكي تخرج القصيدة من إطار المجاملة الخاصة إلى مضمون عام يمس وجدان الناس جميعًا.

وبالفعل، قام رامي بتعديل مطلع القصيدة إلى "إلى عرفات الله يا خير زائر"، واختار 25 بيتًا من النص الأصلي، أي أكثر بـ12 بيتًا من النسخة التي غنتها نجاة علي. هذه التعديلات شملت أيضًا تغيير بعض المفردات لتناسب جمهورًا أوسع. فمثلًا، غيّرت أم كلثوم عبارة "أرى الناس أصنافًا ومن كل بقعة" إلى "أرى الناس أفواجًا ومن كل بقعة"، كما بدلت الشطر "إذا زرت يا مولاي قبر محمد" إلى "إذا زرت بعد البيت قبر محمد"، وغيرها من التعديلات الطفيفة التي أثرت المعنى دون أن تخرجه من أصله.

لكن العقبة الأكبر جاءت من الإذاعة المصرية، التي رفضت تسجيل القصيدة بصوت أم كلثوم بدعوى أنها سبق وسُجلت بصوت نجاة علي، وأن الإذاعة دفعت بالفعل تكاليف التسجيل والتلحين. ولأن أم كلثوم كانت حينها نقيبة الموسيقيين، أثار الموقف جدلًا واسعًا، واعتبره البعض استغلالًا لموقعها. إلا أن كوكب الشرق تعاملت بحكمة مع الأزمة، فتواصلت مع زميلتها نجاة علي، وطلبت منها التنازل عن حق الأداء. وبالفعل، وافقت نجاة، ما فتح الباب أمام أم كلثوم لإقناع مسؤولي الإذاعة بالسماح بإعادة التسجيل.

وقد تم تقديم الأغنية في حفل كبير على مسرح الأزبكية في 7 أبريل 1955، ولاقت ترحيبًا هائلًا من الجمهور. ثم أعادت أم كلثوم غناءها مرة أخرى عام 1963 بعد دخول التلفزيون المصري، وتم تصويرها بطريقة الفيديو كليب السينمائي للمرة الأولى بكاميرا شادي عبد السلام، في إخراج لأحمد بدرخان وتصوير وحيد فريد. ويُقال إن دموع أم كلثوم كانت تنهمر وهي تغني هذه الأبيات على المسرح، مما زاد من تأثيرها العاطفي والروحاني في الجمهور.

جدير بالذكر أن هذه القصيدة كانت من الأسباب التي عززت الصورة الدينية لأم كلثوم، وأضافت بُعدًا جديدًا إلى مسيرتها الغنائية التي تميزت سابقًا بالأغاني الوطنية والعاطفية. ويُقال إن هذا العمل كان من أحب أعمال رياض السنباطي، الذي أبدع في تلحين القصيدة بطريقة تنسجم مع وقار النص وقدسيته.

إقرأ أيضاً:

محمد رمضان يطرح أغنيته الجديدة "أنا رئيسها"

خريطة حفلات عيد الأضحى 2025.. موسم غنائي استثنائي في عواصم الفن العربي

search